فصل المقال في مزاعم الدجّال سامي بن عبد الله

عندما يخاطب الحكيم حمارا، ينطق الحمار حكما ، و عندما يخاطب اللّئيم غرابا،   ينطق الطّائر و صاحبه شؤما و لؤما.

 لئيم كان سامي بن عبد اللّه سنة 2005 عند محاولته ضرب بوادر توحيد صفوف المعارضة التونسيّة مستعملا نفس أسلحة أزلام بن علي و كلابه و نفس الخطاب و التهم : التمويل الأجنبي و العمالة.

لئيم كان سامي بن عبد اللّه سنة 2009 عندما كرّر فعلته بنفس الأسلوب و نفس الخطاب و نفس التنسيق مع كلاب النظام و صحافته الصفراء في وقت تقود فيه المعارضة حربا ضروسا ضدّ بن علي قبيل إنتخابه لفترة رئاسيّة خامسة .

لئيم لأنّه و في كلّ مرّة، كان يستثني ، شارل ديقول تونس، كما كان يسمّيه، أحمد نجيب الشّابي( الذي كان يتطلّع لزعامة ذات المعارضة دون أن ينجح في ذلك) و يستعمل تهما تنطبق على بطله أكثر من إنطباقها على من يستهدفهم.

لئيم لأنّه و في كلّ مرّة يجنح إلى تقديم حقائق مغلوطة على أنّها معلومات محقّقة، دون تقديم إثباتات على صحّتها، ثمّ يعود ليفنّدها، و ما أسهل تفنيد أكذوبة يخترعها هو و تنسج خيوطها نفسه العليلة، فتثبت ظاهرا تهمة الكذب على الفريسة و يبرز الكاذب في ثوب المحقّق الفطن، ثبوت لا ينطلي إلا على قارئ لا يسعى إلى المعلومة بل إلى قشّة يتشبّث بها ليثبت قناعاته الشخصيّة.

و الفريسة اليوم هي منصف المرزوقي، فريسة قديمة متجدّدة لمن لم ينتظر 14 جانفي ليكتشف من هو سامي بن عبد اللّه، و الصراع الغير معلن أو المؤجّل بين أقطاب المعارضة منذ سنوات، و محاولات النظام البائد إستغلال هذه الإنقسامات و وسائله في ذلك.

و هذه عيّنة من أكاذيب بن عبد اللّه التي ينسبها للمرزوقي أو حزبه:

1) المرزوقي لم يدّعي أنّه كان معارضا لبن علي منذ 87، بل أقرّ أنّه أخطأ في جملة من أخطأ آنذاك في الحكم على الحاكم الجديد لتونس، مفسّرا ذلك بطبيعته التي تجعله يحكم على النّاس إنطلاقا من أفعالهم لا نواياهم الغير معلنة، و أنّه من السهل على أي كان خديعته مرّة،  لكنّه لا يخدع من نفس الشخص مرّتين...

2) المرزوقي لم يدّعي أنّه كان لاجئا سياسيّا في فرنسا، بل أبعد من ذلك، فقد صرّح أنّ الحصول على هذه الصّفة كان يتطلّب منه تسليم جوازه التونسي للسلطات الفرنسيّة، وهو تنازل ما كان له أن يقدّمه لبن علي

3) المرزوقي لم يكن يوما ضدّ إنخراط رجال الأعمال في العمل السياسي، لكنّه كان ضدّ أن يقتصر هذا الإنخراط على ضخّ الملايين و المليارات لشراء الأصوات و تدجين النّاخب

4) علاقة المؤتمر بعائلة شقرون لم تكن يوما سرّا تكتّم عليه، فالجدّ رئيس شرفي للحزب، و معهد الدّراسات التابع للحزب يحمل إسمه، و في الندوة الصحفيّة التي أقيمت بعد الإعلان على نتائج الإنتخابات قامت لجنة الإعلام بشكر الإبن على دعمه و وضع إمكانيّات مؤسسته على ذمّة اللّجنة

5) عبد اللّه الكحلاوي لم يكن يوما أحد رجالات التجمّع و حواراته ( أو حواره الذي عثرت عليه) مع صحافة بن علي قبيل إعادة إنتخابه في 2009 دليل على ذلك، و الرّجل لم يسعى يوما إلى نفي أو تعتيم طبيعة علاقته بالرّئيس المخلوع و لم يسعى إلى الظهور في ثوب البطل المعارض الشرس، بل أقرّ أنه كان حذرا محايدا "ديبلوماسيّا" و حواره مع جريدتي الشروق و لوكوتيديان بعد الثورة دليل على ذلك... كما أنّ المواكبين لنشاط المكتب الباريزي للحزب يعرفون جيّدا أنّه لم يكن من النّاشطين فيه، عكس مكتب بن عروس... 

6) نجاح نصر علي شقرون لا يمكن أن يفسّر بعلاقته بعائلة ببّو التي تربطها علاقة تاريخيّة بالترجي الرياضي التونسي الذي إرتبط بدوره بسليم شيبوب ( راجل خالة صاحب مولى الباش)، بل بكون شركته صاحبة ريادة تاريخيّة في مجال إنعدمت فيه المنافسة لفترة طويلة، يستعصي على مافيا بن علي دخوله شأنه في ذلك شأن صاحب شركة سيفاكس للطيران و شركته تلنات ... ( بالمناسبة المطلعون على كواليس الترجي يعرفون حق المعرفة طبيعة علاقة عائلة ببّو بسليم شيبوب و هي أبعد من أن تكون "حميميّة")

و سأكتفي بهذا القدر، و أدعو القارئ إلى إعادة مطالعة الإسهال الفكري، المستلهم من طائر الشؤم المعشّش داخل صاحبه سامي بن عبد اللّه، على ضوء هذه الإيضاحات ليجرّد نصوصه من الافتراأت التي توثّثها فيقف حينئذ على كلّ "المحسّنات البديعيّة" التي يستعملها لبناء نضريّاته المؤامرتيّة من عدم و فراغ،  و لمن يحتاج إلى دلائل أجيب مسبقا أنّ أرشيف تونس نيوز، مدوّنة الخضراء، بدب أنفو... موجود، و عمليّة بحث بسيطة باللغتين العربيّة و الفرنسيّة حول عبد اللّه الكحلاوي تمكّن من الوصول إلى المقالات المذكورة... كما أنّ حوارات منصف المرزوقي مع الإذاعة الوطنيّة، و قنوات التونسيّة و حنّبعل، ... متوفّرة على النات، حتّى المقطع الذي يستشهد به بن عبد الله من موقع ميديابارت واضح و جلي... بالمختصر، أنا على يقين أنّ من يريد أن يفهم بإستطاعته أن يصل إلى المعلومة، أمّا من يرفض أن يفهم فلن يقتنع مهما كانت الحجج و البراهين، فهي ماعز و إن طارت، و سيستمرّ في حلب الثور و إن نطحه!

إنّ محاولات ضرب المرزوقي و من خلاله حزب المؤتمرتصريح ضمني بأنّ من زعم أنّه القوّة السياسية الأولى في تونس، قبل النهضة، زمن الحملة الإنتخابيّة، أيقن أنّ زعمه أكذوبة، و أنّ طموحه اليوم يقتصر في أن يكون الوصيف لا غير، و حملة سامي بن عبد الله لا يمكن أن تقرأ في غير هذا السّياق. و هذه المحاولات تعتمد أساسا على إعطاء المرزوقي و حزبه صورة مثاليّة، في مرحلة أولى، كي يسهل تحطيم هذه الصورة في مرحلة ثانية ... لكن من يقف ورائها نسي أنّ حكم التونسي على المرزوقي و المؤتمر يرتكز أساسا على واقعيّته لا مثاليّته


أخيرا هديّة بسيطة لمن يريد أن يتابع مسلسل الغراب منذ بدايته، أي منذ سنوات، و يقف على حقيقة الصراع الذي ينطويه، مقال نشر في مدوّنة الخضراء في 2008 ردّا على ما يسمّيه كاتبه، نوفل، الإرهاب الفكري

La Ballade des Hypocrites